• كنت ولا زلت معجبا بقانون الأسرة الذي كان نافذا في الجنوب.. كان طفرة اجتماعية حقيقية.. كان لا يضاهيه قانون في البلاد العربية غير قانون الأحوال الشخصية في تونس إبان عهد الرئيس بُرقيبة.. فيما اليوم صرنا نُحكم بقانون جاء من زمن غابر، أكل عليه الدهر وشرب.. لا يراعي زمان أو مكان، وبين الأمس واليوم صار الندم فادحا ووخيم.
• كان قانون الأسرة في الجنوب والصادر في 1974 معجزة ومفخرة في واقع مثقل بالتخلف ومحاط بالنفط والبداوة والتآمر.. كان القانون وتعديلاته مشعل ثورة يشق محيط الظلام الكثيف.. كان صانعا لتحول حقيقي في الوعي والمجتمع.. كان الضوء والمشعل في الجزيرة والخليج.
• كان هذا القانون لوحده أمل واعد ومستقبل منشود وثورة اجتماعية يشار لها بالبنان.. فيما صار ما يحدث للوطن والمجتمع اليوم فيه تناقض صادم لما كان، وحال مبدَّل ومقلوب، وعجب أعجب من محال.. صار سدنة القومية واليسار يبحثون عن المستقبل المضيء في معطف ليل آل سعود وآل نهيان.. أي نكسة وأي نكبة حلّت بنا يا الهي، وأي لعنة أصابت اليمن وفي مقدمته جنوبنا الذي أشقاه القتلة واللصوص والمدَّعون!!
• كان هذا القانون وتعديلاته ثورة اجتماعية حقيقية لا ينكرها إلا مناكر مثقل بتعصبه الذكوري الظالم، أو أسيرا ماضي يعيش غربة العصر، ويرى في غربته مجدا وحقا لا يزول إلا بقيام الساعة.
• كان الأصل هو الزواج من واحدة، والاستثناء محدود ومحصور، وعلى الزوج الوفاء مع زوجته إلى آخر العُمر دون منازع في علاقة الزوجية لا تستطيع امرأة أخرى أن تقاسمها زوجها وحقوقها.. أمّا اليوم فبعضهم يتزوج فوق الواحدة ثلاث، يقاسمن الزوجة الأولى الحياة والميراث والتفاصيل..
• أعرف صديق لوالدي في عدن كان تاجرا للجلود تزوج على زوجته سرا من امرأة أخرى، وأنكشف أمرهما، وتمت محاكمته والحكم عليه بالسجن سنتين مع النفاذ.. اللعنة على من أضاع هذا القانون، والجحيم على من أنقلب عليه.
• كان المهر محدداً في القانون بمائة دينار ليس فيه تجارة أو بيع، وبعد أربعين عام خلت وأكثر، صارت المرأة في اليمن سلعة أو شبه سلعة ومتاع يباع ويشترى.. وعلى المرأة تمكين زوجها وخدمته وتفقيس العيال كأرنبة، ومن حق الرجل أن يعبث ويتزوج في ليلة واحدة أربعا إن شاء، ويستطيع من هو في أرذل العمر أن يتزوج صبية أو قاصرة لا تجيد جواباً فضلا عن وضع السؤال..
• كان الطلاق ليس في متناول اليد لاسيما إن كان للزوجين أبناء، وكانت اللجان الشعبية تبذل المستحيل للحيلولة دون وقوعه نزولا عند مصلحة الأبناء.. كان الطلاق أو التفريق لا يقع إلا في المحكمة، وتقف المحكمة أمام مصلحة الأطفال كثيرا لتقرر وتفصل في مترتبات التفريق أو الطلاق.. فيما اليوم بلفظة “طالق” من نزق في لحظة تعسة يتم الطلاق ورمي الزوجة على قارعة الطريق وإن كان عمرها في الستين عام وكان لها منه عشرة من البنين أو أكثر، ويعيش الأبناء جحيم الطلاق ومعاناته حتى الِكبَر..
• لازلت أذكر وأنا طالب في كلية الحقوق أثناء التطبيق في محكمة صيرة والقاضي يحكم للمرأة وأولادها القُصَّر بمعظم منزل الزوج بعد التفريق، وحكم لها بالحضانة والنفقة وأشياء أخرى.. يا سلام على ماضي جميل كان.
• كان الرجل لا يستبد على المرأة في زواج أو اختيار أو عمل أو طلاق أو حضانة أو نفقة.. كانت المرأة في الجنوب ملكة عندما نقارنها بما آلت إليها الأمور وما آل إليه الحال..